فصل: فصل في كلام كلي في أوجاع نواحي الصدر والجنب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.المقالة الرابعة: أورام أعضاء نواحي الصدر:

أصول نظرية من علم أورام أعضاء نواحي الصدر وقروحها سوى القلب.

.فصل في كلام كلي في أوجاع نواحي الصدر والجنب:

ذات الجنب: إنه قد يعرض في الحجب والصفاقات والعضل التي في الصدر ونواحيها والأضلاع أورام دموية موجعة جداً تسمى شوصة وبرساماً وذات الجنب وقد تكون أيضاً أوجاع هذه الأعضاء ليست من ورم ولكن من رياح فتغلظ فيظن أنها من هذه العلّة ولا تكون.
وذات الجنب ورم حار في نواحي الصدر إما في العضلات الباطنة وفي الحجاب المستبطن للصدر وإما في الحجاب الحاجر وهو الخالص أو في العضل الظاهرة الخارجة أو الحجاب الخارج بمشاركة الجلد أو بغير مشاركة.
وأعظم هذا وأهوله ما كان في الحجاب الحاجز نفسه وهو أصعبه.
ومادة هذا الورم في الأكثر مرار أو دم رديء لأن الأعضاء الصفاقية لا ينفذ فيها إلا اللطيف المراري ثم الدم الخالص ولذلك تكون نوائب اشتداد حماة غباً في الأكثر ولذلك قلّما يعرض لمن يتجشأ في الأكثر حامضاً لأنه بلغمي المزاج ومع ذلك قد يكون من دم محترق وقد يكون من بلغم عفن وقد يكون في الندرة من سوداء عفن ملتهب وقد بينا في الكتاب الكلّي أنه ليس من شرط الورم الحار أن لا يكون من بلغم وسوداء بل قد يكون من بلغم وسوداء على صفة إلا أنه لا يكون حاراً إلا إذا كان من مرة أو دم.
فإن كان من غيرهما كان مزمناً وهذا شيء ليس يحصله كثير من الناس.
ولما كان كل ورم إما أن يتحلّل وإما أن يجمع وإما أن يصلب فكذلك حال ذات الجنب.
لكن الصلابة في ذات الجنب ممّا يقلّ فهو إذن إما أن يتحلّل وإما أن يجمع أي في غالب الأحوال.
وذات الجنب إذا تحلّلت قبلت الرئة في الأكثر ما يتحلل منه ونفثته وأخرجته وربما تحلّل إلى جهة أخرى.
وإذا اجتمعت المدة احتيج ضرورة إلى أن تنضج لتتفجر فربما تنفث الرئة المدة وربما قبلها العرق الأجوف فخرجت بالبول وربما انصبت إلى مجاري الثفل فاستفرغت في الإسهال.
وقد تقع كثيراً إلى الأماكن الخالية واللحوم الغددية فتحدث أوراماً في مثل الأرنبتين والمغابن وخلف الأذنين.
وكثيراً ما تندفع المادة إلى الدماغ وأعضاء أخرى كما سنذكر فيقع خطر أو يهلك وربما خنقت المادة الرئة بكثرتها وملئها مجرى النفس وربما لم تكن كثرتها هذه الكثرة ولا كانت إلا نضيجة مدة كانت أو نفثاً مثل المدة إلا أن القوى تكون ساقطة فتعجز عن النفث ولذلك يجب أن تقوى القوة في هذا الوقت حتى تقوى على الانقباض الشديد للسعال النافث فإن هذا النفث فعل يتم بقوّتين إحداهما طبيعية منضجة ودافعة أيضاً والأخرى إرادية دافعة وإذا لم تقويا جميعاً أمكن أن تعجز عن التنقية.
واعلم أن عسر النفث إما أن يكون من القوة إذا كانت ضعيفة أو من الآلة إذا كانت الآلة تتأذى بحركة نفسها أو حركة جارها أو من المادة إذا كانت رقيقة جداً أو كانت غليظة أو لزجة.
وفي مثل هذه الأحوال قد يعرض في الرئة كالغليان لاختلاط الهواء بالمادة العاصية المنصبة إلى الرئة والعصبة ومتى لم يستنق بالنفث في ذات الجنب إلى أربعة عشر يوماً فقد جمع.
ومتى لم يستنق القيح بعد أربعين يوماً فقد وقع في ذات الرئة والسلّ وقد ينق التقيح في السابع وأما في الأكثر فيكون في العشرين وفي الأربعين وفي الستّين وقد يقع انفجار قبل النضج لدفع الطبيعة المادة المؤذية بكثرتها أو حدّتها أو لحرارة المزاج والسن والفصل والبلد أو لتناول المفجرات من المشروبات قبل الوقت من جهة خطأ الطبيب.
وسنذكر المفجرات من بعد أو لحركة من العليل مفرطة متعبة أو صيحة وذلك خطر.
وقد يعرض أن ينتقل ذات الجنب إلى ذات الرئة بأن تقبل الرئة مادة الورم ثم لا تجيد نفثها وتحتبس فيها فتتورّم.
وقد يعرض أن ينتقل ذات الجنب إلى السل تارة بوساطة ذات الرئة على النحو الذي سنذكر وتارة بغير وساطة ذات الرئة بأن تقرّح المادة أو المدة المتحللة منه جوهر الرئة لحدّتها ورداءتها وقد يعرض أن ينتقل إلى التشنج والكزاز بأن تندفع المادة في الأعصاب المتصلة والعضو الذي فيه الورم فإنه عضو عصباني وهذا انتقال قاتل قد لا ينفع معه سائر العلاجات الجيدة.
وقد يعقب ذات الرئة والجنب كالخدر في مؤخر عضد صاحبه وأنسيه وساعده إلى أطراف الأصابع وقد يحمل على جهة القلب فيعرض منه خفقان يتبعه الغشي وإلى جانب الدماغ أيضاً في حال التحلل قبل الجمع وفي حال الجمع وقد تنتقل المادة إلى الأعضاء الظاهرة فتصير خراجات وقد يكون انتقالها هذا بنفوذها في جواهر العصب والوتر بل العظام وإذا مالت إلى المواضع السفلية ثم انفتحت وصارت نواصير كان ذلك من أسباب الخلاص ولكن تكون النواصير خبيثة معدية.
وإن مالت إلى المفاصل وصارت نواصير خلص العليل أيضاً لكن ربما أزمن العضو خصوصاً إذا لم يكن هناك استفراغ آخر ببراز أو بول غليظ كثير الرسوب أو نفث كثير نضيج فإن كان شيء من هذا كان أسلم فإن ذلك يدل على قلّة المادة المحدثة للخراج وإمكان إصلاحها بالنضج.
وهذه الخراجات إذا خفيت وغارت دلت على آفة ونكس وخصوصاً إذا زحفت المادة إلى الرئة وقد يعرض من شدة الحمّى تواتر النفس ومن تواتر النفس لزوجة النفث فإن النفث يجف بسبب النفس المتواتر ويعرض من لزوجة النفث شدة الوصب وازدياد اللهيب ومن ازدياد اللهيب تواتر النفس ومن تواتر النفس اللزوجة فلا يزالان يتعاونان على الغائلة.
وأما أنه أي أصناف ذات الجنب والرئة أردأ أهو الذي يكون في الجانب الأيسر المجاور للقلب أو الذي يكون في الجانب الأيمن فإن بعضهم جعل هذا أردأ وبعضهم جعل ذلك أردأ إلا أن الحق هو أن القريب من جهة المكان أردأ لكنه أولى بأن ينضج ويقبل التحليل إن كان من شأنه وقد يوقع في ذات الجنب الامتلاء من الأخلاط إذا عرض في ناحية الرأس أو ناحية الصدر أو في بعض العروق المنصبة إلى نواحي الصدر وقد يورثه كثيراً من شرب المياه الباردة الحاقنة للمواد والبرد الزائد كما تحدثه الحرارة الشديدة وشرب الشراب الصرف المحرّك للأخلاط المثير لها.
وذات الجنب أكثر ما يعرض في الخريف والشتاء وخصوصاً بعد ربيع شتوي ويكثر في الربيع الشتوي وهبوب الشمال يكثر الفضول أو يحقن الفضول فتكثر معه أوجاع.
الجنب والأضلاع خصوصاً عقيب الجنوب وفي الصيف.
وعند هبوب الجنوب يقلّ جداً لكنه إذا كان الصيف جنوبياً مطيراً وكذلك الخريف يكثر في آخر الخريف في أصحاب الصفراء ذات الجنب وأما على غير هذه الصورة.
فذات الجنب يقلّ في الأهوية والبلدان والرياح الجنوبية.
ويقل أيضاً في النساء اللاتي يطمثن لأن مزاجهن إلى الرطوبة دون المرارية وإذا عرض للحوامل كان مهلكاً ويقل في الشيوخ فإن عرض قتل لضعف قواهم عن النفث والتنقية.
وذات الجنب ربما التبس بذات الكبد فإن المعاليف إذا تمددت لورم الكبد تأدى ذلك إلى الحجاب والغشاء فأحس فيه بوجع وتأذى إلى ضيق النفس فيحتاج إلى أن يعرف الفرق بينهما وربما التبس بالسرسام وذات الجنب أو غير ذلك مما قيل.
واعلم أن ذات الجنب إذا اقترن به نفث الدم كان مثل الاستسقاء تقترن به الحمّى فيحتاج الأول- وهو ذات الجنب- إلى علاج قابض بحسب نفث الدم ملين بحسب ذات الجنب كما أن الثاني يحتاج إلى علاج مسخن مجفّف أو مجفّف معتدل بسبب الاستسقاء مبرّد مرطّب بسبب الحمّى.
وكثيراً ما يكون سبب ذات الجنب وذات الرئة تناول أغذية غليظة الغذاء مغلظة للدم كالقبيط فيندفع إلى نواحي الثندوة والجنب وعلاجه ترقيق المادة بالحمام ويخرج منه إلى سكنجبين يشربه ويجتنب التمريخ بالدهن فإنه جذّاب وربما استغنى بهذا عن الفصد.
علامات ذات الجنب: لذات الجنب الخالص علامات خمسة: وهي حمّى لازمة لمجاورة القلب والثانية وجع ناخس تحت الأضلاَع لأن العضو غشائي وكثيراً ما لا يظهر إلا عند التنفس وقد يكون مع النخس تمدّد وربما كان أكثر والتمدّد يدلّ على الكثرة والنخس على القوة في النفوذ واللذع والثالثة ضيق نفس لضغط الورم وصغره وتواتر منه والرابعة نبض منشاري سببه الاختلاف ويزداد اختلافه ويخرج عن النظام عند المنتهى لضعف القوة وكثرة المادة والخامسة السعال فإنه قد يعرض في أول هذه العلّة سعال يابس ثم ينفث وربما كان هذا السعال مع النفث من أول الأمر وهو محمود جداً وإنما يعرض السعال لتأذي الرئة بالمجاورة ثم يرشح ما يوشح إليها من مادة المرض فيحتاج إلى نفثه فإن تحلّل كله وترشّح فقد استنقى ما جمع والخالص منه لا يكون معه ضربان لأن العضو عادم لكثرة الشرايين ولما كان ذات الجنب يشبه ذات الكبد بسبب السعال والحمّى وضيق النفس ولتمدّد المعاليق واندفاع الألم إلى الغشاء المستبطن وجب أن يفرق بينها وبينها وأيضاً يشبه ذات الرئة بسبب ذلك وبسبب النفث فيجب أن يفرق بينهما.
فالفرق بين ذات الجنب وذات الكبد أن النبض في ذات الكبد موجي والوجع ثقيل ليس بناخس والوجه مستحيل إلى الصفرة الرديئة والسعال غير نافث بل تكون سعالات يابسة متباطئة وربما اسودّ اللسان بعد صفرته والبول يكون غليظاً استسقائياً ويكون البراز كبدياً ويحسّ بثقل في الجانب الأيمن ولا يدركه اللمس فيوجع.
وربما كان في ذات الكبد إسهال يشبه غسالة اللحم الطري لضعف القوة وإذا كان الورم في الحدبة أحسّ به في اللمس كثيراً وإن كان في التقعير كشف عنه التنفس المستعصي إذا دل على شيء ثقيل معلّق وضيق النفس في ذات الكبد متشابه في الأوقات غير شديد جداً وأما المجنون فسعاله نافث ووجعه ناخس وبوله أحسن قواماً ولونه أحسن ما يكون وضيق نفسه أشدّ وهو ذاهب إلى الازدياد على الاتصال حتى يتبين له في كلّ ست ساعات تفاوت في الازدياد كثير.
والفرق بينه وبين ذات الرئة أيضاً هو أن نبض ذات الرئة موجي ووجعه ثقيل وضيق نفسه أشدّ ونفسه أسخن وعلامات أخرى ولما كان ذات الجنب قد تعرض معه أعراض السرسام المنكرة مثل اختلاط الدهن والهذيان وتواتر النفس والخفقان والغشي وما هو دون ذلك وصعوبة الكرب وشدة الضجر وشدّة العطش وتغيّر السحنة إلى ألوان مختلفة وشدّة الحمّى وقيء المرارة والسبب في هذه الأعراض مشاركة الصدر للأعضاء الرئيسية ومجاورتها وجب أن نفرق بين الأمرين أعني البرسام والسرسام.
فمن الفروق أن اختلاط الدهن يعرض في السرسام أولاً ثم تشتدّ فيه سائر الأعضاء ويكون التنفس فيه أسلم ويتأخر فساد النفس عن الاختلاط ويكون معه أعراضه الخاصة كحمرة العينين وانجذابهما إلى فوق.
وأما في البرسام فيتأخر اختلاط الذهن وربما لم يكن إلى قرب الموت بل كان عقل سليم ولكنه يتقدّمه فيه تغير النفس وسوءه ويكون في الأولى تمدّد في المراق إلى فوق كأنه ينجذب إلى الورم ووجع ناخس.
ومن الفروق في ذلك أن النبض في السرسام عظيم إلى التفاوت وفي ذات الجنب صغير إلى التواتر ليتلافى الصغر وذات الجنب إذا اشتدّ اشتدت الأعراض المذكورة معه ويبس اللسان وخشن.
وإذا ازداد عرض احمرار في الوجه والعين والقلق الشديد وفساد النفس واختلاط الذهن والعرق المنقطع وربما أدى إلى اختلاف رديء.
إذا لم يكن ذات الجنب خالصاً بل كان في الغشاء المجلّل للأضلاع أو في العضل الخارجة كان له علامات وكان الوجع فيه والآفة إلى حد فإن الذي يكون في الغشاء الخارج يدركه اللمس وربما شاركه الجلد فيظهر للبصر وربما انفجر خراجاً ولم يوجب نفثاً.
وهذا الانفجار قد يكون بالطبع وقد يكون بالصناعة.
والذي يكون في العضل الخارجة يكون معه ضربان فإن كان الإحساس به مع الاستنشاق كان في العضل الباسطة وإن كان الإحساس به في الردّ كان في العضل القابضة.
وقد علمت أنهما جميعاً موجودان في الطبقتين جميعاً الداخلة والخارجة.
والغمز أيضاً يدرك هذا الضرب من ذات الجنب التي ليست بخالصة وهذا غير الخالص لا يفعل من الوجع الناخس ومن ضيق النفس والسعال ومن صلابة النبض ومنشاريته وشدّة الحمّى وأعراضها ما يكون في الخالص.
وربما كان النبض ليّناً وربما كان حمّى بسبب ورم في غير المواضع المذكورة أو لسبب آخر مثل نفث مفرط وغيره ولا يكون ذات الجنب إذ ليس هناك وجع ناخس ونبض منشاري وغير ذلك وفي الأكثر غير الحقيقة يكون الوجع أسفل مشط الكتف وما كان من الخالص في الحجاب الحاجز كان الوجع إلى الشراسيف وكان اختلاط العقل فيه أكثر واشتدت الأعراض والموجع وعسر النفس ولم تكن سرعة شدة الحمّى كما في غيره بل ربما تأخّر إلى أن يعفن العضل فتقوى الحمى جداً وإن كان في الغشاء المستبطن للصدر وكان الوجع إلى الترقوة واختلف الوجع لاختلاف مماسة أجزاء الغشاء للترقوة ولاختلاف الأجزاء في الحس ولا يكون معه ضربان البتة.
والوجع المائل إلى ناحية الشراسيف قد يكون بسبب الورم في الحجاب الحاجز وقد يكون لحدوث الورم في الأعضاء اللحمية التي في الأضلاع وليس فيه كثير خطر.
علامات الرديء منه والسليم: يدل على سلامته النفث السهل السريع النضيج وهو الأبيض الأملس المستوي والنبض الذي ليس بشديد الصلابة والمنشارية وقلّة الوجع وسائر الأعراض وسلامة النوم والنفس وقبول العلاج واحتمال المريض لما به واستواء الحرارة في البدن مع لين وقلة عطش وكرب وكون العرق البارد والبول والبراز على الحالة المحمودة.
ونضج البول علامة جيدة فيه كما أن رداءته علامة رديئة جداً ورداءة البراز ونتنه وشدة صفرته علامة رديئة وظهر الرعاف من العلامات الجيدة النافعة في ذات الجنب والرديء أن تكون أعراضه ودلائله شديدة قوية والنفث محتبساً أو بطيئاً وهو غير نضيج إما أحمر صرفاً أو أسود ويزداد لزوجة وخنقاً كمداً وعسراً ويكون على ضد من سائر ما عددنا للجيّد.
ومن العلامات الرديئة أن يكون هناك بول عكر غير مستو وهو دموي فإنه رديء يدل على التهاب شؤون الدماغ ومن العلامات الرديئة أن يكون هناك حرارة شديدة وخصوصاً إذا كان مع برد في الأطراف ووجع يمتد إلى خلف وزيادة من الوجع إذا نام على الجانب العليل فإذا حدث به أو بصاحب ذات الرئة اختلاف في آخره دل على أن الكبد قد ضعفت وهو رديء وهو في أوله جيد بل أمر نافع.
وإما الاختلاف الذي يجيء بعد ذلك ولا يزول به عسر النفس والكرب فربما قتل في الرابع أو قبله.
واختلاج ما تحت الشراسيف في ذات الجنب كثيراً ما يدل على اختلاط العقل لمشاركة الحجاب الرأس وتكون هذه حركة من مواد الحجاب.
وحركتها في الأكثر في مثل هذه العلة حركة صاعدة.
ومن العلامات الرديئة أن تغور الخراجات المنحياة عن ذات الجنب من غير سكون الحمّى ولا نفث جيد فإن ذلك يدل على الموت لما يكون معه لا محالة من رجوع المادة إلى الغور.
وأما العلامات الجيدة والرديئة التي تكون بعد التقيّح فنفرد له باباً.
واعلم أن ذات الجنب إذا لم يكن فيه نفث فهو إما ضعيف جداً وإما رديء خبيث جداً.
فإنه إما أن لا يكون معه كثير مادة يعتدّ بها وإما أن تكون عاصية عن الانتفات خبيثة.
قال أبقراط: أنه كثيراً ما يكون النفث جيداً سهلاً وكذلك النفس ويكون هناك علامات أخرى رديئة قاتلة مثل صنف يكون الوجع منه إلى خلف ويكون كأنّ ظهر صاحبه ظهر مضروب ويكون بوله دموياً قيحياً وقلما يفلح بل يموت ما بين الخامس والسابع وقليلاً ما يمتد إلى أربعة عشر يوماً وفي الأكثر إذا تجاوز السابع نجا وكثيراً ما يظهر بين كتفي صاحبه حمرة وتسخن كتفاه ولا يقدر أن يقعد فإن سخن بطنه وخرج منه براز أصفر مات إلا أن يجاوز السابع.
وهذا إذا أسرع إليه نفث كثير الأصناف مختلفها ثم اشتدّ الوجع مات في الثالث وإلا برئ.
وضرب آخر يحسّ معه بضربان يمتد من الترقوة إلى الساق ويكون البزاق فيه نقياً لا رسوب معه والماء نقياً وهو قاتل لميل المادة إلى الرأس فإن جاوز السابع برئ.
علامات أوقاته: إذا لم يكن نفث أو كان النفث رقيقاً أو قليلاً أو الذي يسمى بزاقاً على ما نذكره فهو الابتداء وما تزداد الأعراض فيه ويزداد النفث ويأخذ في الرّقة ويزداد في الخثورة وفي السهولة ويأخذ في الحمرة إن كانت إلى الاصفرار المناسب للحمرة فهو الازدياد ثم إذا نفث العليل نفثاً سهلاً نضجاً على ما ذكرناه من النضج ويكون كثيراً ويكون الوجع خفيفاً فذلك هو وقت المنتهى ووقت موافاة النضج التام ثم إذا أخذ النفث ينقص مع ذلك القوام وتلك السهولة ومع عدم الوجع ونقصان الأعراض فقد انحط فإذا أحتبس النفث عن زوال الأعراض البتة فقد علامات أصنافه بحسب أسبابه: الأشياء التي منها يستدلّ على السبب الفاعل لذات الجنب النفث في لونه إذا كان بسيط اللون.
أو مختلط اللون ومن موضع الوجع ومن الحمّى وشدتها ونوبتها فإن النفث إذا كان إلى الحمرة دل على الدم وإذا كان إلى الصفرة دل على الصفراء.
والأشقر يدلّ على اجتماعهما وإذا كان إلى البياض ولم يكن للنضج دل على البلغم وإذا كان إلى السواد والكمودة ولم يكن لسبب صابغ من خارج من دخان ونحوه دل على السوداء.
وأيضاً فإن الوجع في البلغم والسوداء في أكثر الأمر يكون منسفلاً وإلى اللين وفي الآخرين متصعِّداً ملتهباً وأيضاً فإن الحمى إن كانت شديدة كانت من مواد حارة وإن كانت غير شديدة كانت من مواد إلى البرد ما هي وربما دلت بالنوائب دلالة جيدة.
علامات انتقاله: أنه إذا لم ينفث نفثاً محموداً سريعاً ولم يستنشق في أربعة عشر يوماً فقد انتقل إلى الجمع ويدل على ابتدائه في تصعده شدة الوجع وعسر النفس وضيقه وتضاغطه عند البسط مع صغر وشدة الحمّى وخشونة اللسان خاصة ويبس السعال لتلزج المادة وكثافة الحجاب وضعف القوة وسقوط الشهوة والأخلاط والسهر ويقل نخسه في ذلك الموضع وإذا جمع وتم الجمع سكنت الحمّى والوجع وازداد الثقل فإذا انفجر عرض نافض مختلف واستعراض نبض مع اختلافه وتسقط القوّة وتذبل النفس.
وكثيراً ما تعرض حمى شديدة لِلذع المدة للأعضاء ولذع الورم فإذا انفجر ثم لم يستنق من يوم الانفجار إلى أربعين يوماً أدى إلى السلّ وانفجار المتقيح في اليوم السابع وأبعده في الأقل وأكثره بعد ذلك إلى العشرين والأربعين والستين.
وكلما كانت عوارض الجمع أشدّ كان الانفجار أسرع وكلما كانت ألين كان الانفجار أبطأ وخصوصاً الحمى من جملة العوارض.
وإذا ظهرت العلامات الظاهرة الهائلة وكنت قد شاهدت دلائل محمودة في النفث وغيره فلا تجزع كل الجزع فإن عروضها بسبب الجمع لا بسبب آخر.
وكل ذات جنب لا يسكن وجعه بنفث ولا فصد ولا إسهال ولا غير ذلك فتوقع منه تقييحاً أو قتلاً قبله بحسب سائر الدلائل.
وإذا رأيت النبض يشتد تمدده وخصوصاً إذا اشتد تواتره فإن ذلك ينذر إن كانت القوة قوية بأنه ينتقل إلى ذات الرئة والتقيح والسل.
وبالجملة إذا كان هناك دلائل قوة وسلامة ثم لم يسكن الوجع بنفث أو إسهال أو فصد وتكميد فهو آيل إلى التقيح.
وأما إن لم تكن دلائل السلامة من ثبات القوة وثبات الشهوة وغير ذلك فإن ذلك يُنذر بأنه قاتل وينذر بالغشي أولاً.
على أن الشهوة تسقط في أكثر الأمر عند الانفجار وتحمر الوجنتان لما يتصاعد إليهما من البخار وتسخن الأصابع لذلك أيضاً.
وإذا انفجر إلى فضاء الصدر أوهم الخفة أياماً ثم يسوءه حاله وإذا انفجر رأيت النب على ما حكيناه قد ضعف واستعرض وأبطأ وتفاوت لانحلال القوة بالاستفراغ وانطفاء الحرارة الغريزية.
ويعرض أيضاً كما ذكرناه نافض يتبعه حتى بسبب لذع الأخلاط فإن كانت المادة من المنفجر كثيرة والقوة ضعيفة أدت إلى الهلاك.
واعلم أنه إذا كانت القوة ضعيفة واشتد التمدد والتواتر فإن ذلك كما علمت ينذر بالغشي وإن كان التواتر دون ذلك ودون ما يوجبه نفس ذات الجنب فربما أنذر بالسبات أو التشنج أو بطء النضج وإنما يحدث السبات لقبول الدماغ الأبخرة الرطبة التي هي لا محالة ليست بتلك الحادة إلا لتواتر النبض جداً قبولاً مع ضعفه عن دفعها في الأعصاب.
ويحدث التشنج لقوة الدماغ على دفعها في الأعصاب ويدل على بطء التقيح لغلظ المادة ولأنها ليست تنتقل وأن الدماغ والأعصاب قوية لا تقبله.
وربما أنذرت بالتشنج وذلك إذا كان النفس يشتد ضيقه اشتداداً والحمى ليست بقوية.
وإذا رأيت العلة قد سكنت يسيراً وخفت ولم يكن هناك نفث فربما انتقص المادة ببول أو براز وظهر اختلاف مراري رقيق أو ظهر بول غليظ.
فإن لم ير ذلك فسيظهر خراج فإن رأيت تمدداً في المراق والشراسيف وحرارة وثفلاً أنذر ذلك بخراج عند الأرنبتين أو إلى الساقين.
وميله إلى الساقين شديد الدلالة على السلامة.
وفي مثل هذا يأمر أبقراط بالاستسهال بالخربق.
فإن رأيت مع ذلك عسر نفس وضيق صدر وصداعاً وثفلاً في الترقوة والثدي والساعد وحرارة إلى فوق أنذر ذلك بميل المادة إلى ناحية الأذنين والرأس.
فإن كانت الحالة هذه ولم يظهر ورم ولا خراج في هذه الناحية فإن المادة تميل إلى الدماغ نفسه وتقتل.